أشهر المباني في أبوظبي

 

لم تكن أبوظبي مدينة للأبنية المعمارية المدهشة. حتى سبعينيات القرن الماضي، أي قبل الطفرة النفطية، كانت مجرد مستوطنة متواضعة، قوامها قوارب الصيد والسفن التجارية ومبانٍ بسيطة شُيّدت لمواجهة حرارة الصحراء.

اليوم، أصبحت العاصمة واحدة من أهم مدن الشرق الأوسط من حيث العمارة المعاصرة. مبانيها ليست مجرد أبراج شاهقة، بل تحف مصممة بوعي لتستفيد من الضوء، وتبتكر الظل، وتعكس البحر. وفي السنوات القليلة المقبلة، تتهيأ المدينة لمرحلة جديدة مع اقتراب افتتاح متحف غوغنهايم أبوظبي ومتحف زايد الوطني على جزيرة السعديات، ليتكامل المشهد مع اللوفر أبوظبي ويشكل محوراً ثقافياً عالمياً.

 

 

جامع الشيخ زايد الكبير

لا مبنى يجسد هوية أبوظبي المعمارية أكثر من جامع الشيخ زايد الكبير. اكتمل بناؤه عام 2007 بعد عقد كامل من العمل، ليصبح أكبر مساجد الإمارات وأبرز رموزها الثقافية.

الأرقام وحدها مبهرة: 82 قبة، سعة لأكثر من 41 ألف مصلي، 1,096 عمود خارجي، وأكبر سجادة يدوية الصنع في العالم. لكن ما يميز المسجد يتجاوز هذه الإحصاءات.

فالعمارة هنا تستلهم مدارس إسلامية متعددة، من الطراز المغربي إلى العثماني والفاطمي والمملوكي، لكنها تذوب في توليفة واحدة متجانسة. في قاعة الصلاة، تحمل 96 عمود مكسوة بالرخام ومرصعة بالصدف قباب تنسج هندسة ضوئية وظلال آسرة.

وعند الغروب، حين تتضاعف صورة القباب والأعمدة في أحواض المياه العاكسة، يبدو المسجد وكأنه يدخل فضاء ميتافيزيقي، معبراً عن جوهر أبوظبي: مدينة تكرّم ماضيها وتعيد اختراع مستقبلها باستمرار.

يمثل جامع الشيخ زايد الكبير الطموحات الروحية لأبوظبي، بينما يجسد مقر شركة الدار طموحاتها التقنية. اكتمل هذا المبنى عام 2010 على يد مكتب MZ Architects ليصبح أول مبنى دائري بالكامل في الشرق الأوسط، بارتفاع 110 أمتار على ساحل الراحة.

الاختيار لم يكن لمجرد جاذبية بصرية، فالدائرة تحمل قيمة رمزية عميقة في الهندسة الإسلامية والرياضيات الكونية على حد سواء. وما يبدو شكل بسيط للوهلة الأولى يكشف عن تعقيد مذهل عند التمعن فيه.

تحقيق دائرة مثالية بهذا الحجم تطلب استخدام تقنية الدياجريد وهي شبكة فولاذية قطرية تغني عن الأعمدة الداخلية، وهذا يتيح مساحات مفتوحة بإطلالات ممتدة وتوزيع مرن. ورغم أنه يضم 23 طابق فقط، إلا أن مساحته تعادل مساحة برج مؤلف من 40 طابق.

الأكثر إدهاشاً هو تجاوب المبنى مع بيئته؛ فواجهاته الزجاجية تستقبل شروق الشمس وغروبها، فيما يعمل الشكل المنحني كعازل طبيعي يخفف من تأثير العواصف الرملية. كما حصل المبنى على شهادة لييد الفضية بفضل اعتماده على مواد قابلة لإعادة التدوير وأنظمة ذكية للتحكم في المناخ.

مع حلول الليل، يكتسب المبنى طابع شبه كوني، كأنه بناء مستحيل وضروري في آن واحد، صورة مصغرة عن التحول السريع الذي عرفته أبوظبي نفسها.

 

متحف اللوفر أبوظبي

من بين مباني العاصمة، قليل منها أثار الترقب مثل متحف اللوفر أبوظبي الذي صممه جان نوفيل. وبعد سنوات من التأجيل والتكهنات، جاء افتتاحه عام 2017 ليشكل لحظة فارقة: أول فرع لمتحف اللوفر خارج باريس، ورسالة ثقافية جريئة تعكس طموح الإمارة العالمي.

العنصر الأيقوني للمتحف هو القبة العائمة بعرض 180 متر، التي تبدو من بعيد بسيطة الشكل، لكن عند الاقتراب تظهر شبكتها المدهشة: ثماني طبقات من الأنماط الهندسية المتداخلة، تولّد نحو 7,850 نجمة بأحجام مختلفة. مع مرور أشعة الشمس عبر هذه الفتحات، يتشكل ما وصفه نوفيل بـ "مطر الضوء"، حيث تتغير أجواء القاعات الداخلية على مدار اليوم.

ولا يقتصر دور القبة على الجمال البصري، بل يؤدي وظائف عملية مهمة، إذ تقلل الطبقات المثقبة من حدة الإشعاع الشمسي، وتحافظ على الإضاءة الطبيعية، وتخلق مناخ محلي أكثر برودة ببضع درجات من محيطها الخارجي. أما وزنها البالغ 7,500 طن، أثقل من برج إيفل، فيبدو وكأنه يطفو فوق مجموعة من 55 مبنى مكعب أبيض، رتبت لتشبه أزقة المدينة العربية التقليدية.

 

أبراج الاتحاد

تظهر أبراج الاتحاد أن أبوظبي عندما تبني شاهقاً، فإنها تفعل ذلك بعناية وهدف. اكتمل المشروع عام 2011، ويضم مجموعة من خمسة أبراج أصبحت أيقونة للكورنيش.

بدلاً من الارتفاعات المتطابقة، تصعد الأبراج بتتابع من 54 إلى 74 طابق، بينما يتغير لون الزجاج تدريجياً، فتتعمق صبغة الأزرق نحو الأعلى لتعكس مياه الخليج.

داخل الأبراج، يبدو المكان وكأنه مدينة صغيرة: مكاتب، شقق، غرف فندقية، متاجر مصممين، ومطاعم وجهات متميزة. ويقصده السياح مباشرةً إلى منصة المشاهدة في الطابق 300، حيث تمنح إطلالتها صورة كاملة عن التخطيط المدروس للمدينة.

الأبراج تتألق أكثر بعد الغروب، لتصبح علامة بارزة على واجهة المدينة البحرية في المساء. وقد أكسب ظهورها في فيلم فاست أند فيوري ٧ شعبيتها، رغم أن مشهد السيارات بين الأبراج كان بعيداً بعض الشيء عن الواقعية المعمارية.

 

القصر الرئاسي – قصر الوطن

افتتح قصر الوطن للزوار عام 2019، لكن معظم السكان المحليين يؤكدون أن الزيارة الكاملة تحتاج على الأقل إلى زيارتين. بعيداً عن المظاهر الاستعراضية، يعكس القصر فهمًا عميقاً للتصميم العربي ورموزه.

القبة والأقواس من الغرانيت الأبيض والحجر الجيري توحي بالتقاليد دون مبالغة، أما الداخل فهو ما يبهر الزائرين: قبة بارتفاع 60 متر، وجدران مزينة بآلاف النقوش الهندسية، لا يتشابه أي منها مع الآخر، وجميعها ملتزمة بالقواعد الرياضية الدقيقة.

يغير الضوء كل شيء في هذا المبنى، الثريات العملاقة تنشر أشكال على الرخام، والنوافذ موضوعة بعناية لالتقاط ضوء الشمس في أوقات محددة خلال النهار. وبعد الغروب، يتحول الخارج إلى عرض ضوئي منتظم يروي قصة الإمارات بين الماضي والحاضر والمستقبل.

ولأنه قصر رئاسي فعال، يجمع قصر الوطن بين الأعمال الرسمية والاستكشاف الثقافي، ما يجعله انعطافة غير متوقعة لكنها مميزة تماماً في أبوظبي.

 

مدينة مصدر

بدأت مدينة مصدر بوعود كبيرة. عندما كشف فوستر وشركاه عن خططهم عام 2006 لمدينة خالية من الكربون والنفايات في الصحراء، وصفها البعض بالرؤية المستقبلية، والبعض الآخر بالمستحيلة. ومع ذلك، فإن ما تحقق حتى اليوم يظل مثير للإعجاب.

تعتمد الأجزاء المكتملة بذكاء على خبرة البناء التقليدية في المنطقة. الشوارع ضيقة والمباني متقاربة لتوفير الظل الطبيعي وتوجيه نسيم الرياح، بينما تصفي الشاشات المعروفة بالمشربية أشعة الشمس القاسية. تنخفض درجات الحرارة بشكل ملحوظ عند دخول المجمع.

يبقى معهد مصدر قلب المشروع، بجدرانه الطينية الدافئة وفناءه المظلّل. وتقوم برج ملتقط الرياح بسحب الهواء الساخن إلى الأعلى، نفس التقنية التي برّدت المنازل الخليجية لقرون، مع هندسة حديثة محسّنة.

ورغم أن الرؤية الكاملة قد لا تتحقق تماماً كما خطط لها، إلا أن مدينة مصدر أثبتت تأثيرها الكبير، وبدأت استراتيجيات التبريد القديمة-الحديثة تنتشر في مشاريع أخرى بالإمارة مع مواجهة ارتفاع درجات الحرارة.

 

برج كابيتال جيت

إذا كانت الطموحات المعمارية تُقاس بالدرجات، فإن ميل برج كابيتال جيت بزاوية 18 درجة غرباً يجعله واحد من أكثر المباني جرأة في أبوظبي. معتمد من غينيس للأرقام القياسية كـ "أبعد برج صناعي ميلان عن عموده"، يظهر البرج المكون من 35 طابق وكأنه يتحدى الجاذبية.

اكتمل البرج عام 2011، ويبدو غير مستقر تقريباً، لكن الهندسة وراءه ذكية، حيث تم بناء الهيكل الأساسي مائلاً في الاتجاه المعاكس، ثم تم تقويمه تدريجياً مع إضافة كل طابق لوزن المبنى، ما جعل الانحناء يبدو وكأنه يتحدى الفيزياء بينما يعمل وفقها.

غلاف خارجي من الصلب مزخرف بنمط ماسي يلتف حول المبنى، ويتحمل الضغوط الناتجة عن الميل الحاد. هذه الزخرفة ليست مجرد ضرورة هيكلية، بل تمنح الواجهة طابع مميز يتغير مع حركة المشاهد حولها.

بينما تتنافس مدن أخرى على أرقام قياسية في الطول، اختارت أبوظبي أن تتميز بجرأة التصميم، ليصبح برج كابيتال جيت تجسيد لشخصية المدينة المعمارية، طموح تقني، وبارز بصرياً، وقليل التمرد على القواعد التقليدية.

 

المستقبل

تمتلك أبوظبي مباني رائعة في أفقها، لكن ما يجري على جزيرة السعديات يمثل شيئ مختلف كلي. تشير رافعات البناء إلى أكبر مغامرة معمارية للمدينة حتى الآن حي ثقافي من المتوقع أن يُفتتح على مراحل، مع مؤسسات رئيسية مقررة لاستكمالها بحلول أواخر 2025. عند الانتهاء، ستضم المنطقة عددًا من المتاحف التي صمّمها معماريون عالميون في موقع واحد أكثر مما هو موجود تقريباً في أي مكان آخر في العالم.

ظل متحف غوغنهايم أبوظبي متوقف ومتجدد على مدى سنوات، لكن تصميم فرانك جيري يظهر الآن بوضوح على الرمال. من المتوقع أن يكون أكبر متحف غوغنهايم في العالم إنجاز ليس هين بالنظر إلى كثرة المتاحف عالمياً. بدلاً من تقليد الأمواج اللامعة في بلباو، صمّم جيري شيئ منطقي يتناسب مع الصحراء. وستغطي صالات العرض في النهاية 42,000 متر مربع، مع التركيز على الفن المعاصر من المناطق المحيطة.

بجوارها، يقدم متحف زايد الوطني من تصميم فوستر وشركاه عمل فني خاص به من خلال خمسة “ريش” فولاذية شاهقة تخترق السماء. هذه الهياكل ليست للزينة فقط، بل صممت بذكاء لسحب الهواء الساخن إلى الأعلى وتبريد المبنى بشكل طبيعي. يعكس التصميم شغف الوالد المؤسس للصقارة، وفي المساء ستكون هذه الأبراج المضاءة مرئية على بعد كيلومترات.

يكمل متحف التاريخ الطبيعي الثلاثية بنهج مختلف تماماً. بدلاً من الزوايا الحادة والمعادن، يتدفق تصميم ميكانو مثل صخرة منحوتة بالماء. وسيكون محور العرض فيه عبارة عن هيكل عظمي ضخم لديناصور يُلقب بـ "ستان"، معروض تحت قبة ضخمة.

على الرغم من تميز كل مشروع بصرياً، إلا أن هدف جميعها واحد: خلق شيء لا يمكن أن يكون منطقياً في أي مكان آخر.

 

تأملات في هوية المدينة المعمارية

تخبرنا العمارة بما تقدّره المدينة. وفي حالة أبوظبي، لا يتعلق الأمر بالمستقبلية العمياء أو الحنين الجامد، بل بشيء أكثر دقة وتوازن.

طورت المدينة لغة معمارية خاصة بها خلال العقدين الماضيين، لغة تحترم التقاليد دون أن تكون أسيرة لها. أفضل المباني هنا تفهم موقعها، حرفياً وثقافياً.

مع انطلاق المرحلة التالية من التطوير، تقف أبوظبي بين إرثها المعماري والفرص المستقبلية. الأسس موجودة، ويبقى أن نرى كيف ستتبلور لتشكّل ما سيأتي في قلب العاصمة.