الاتجاهات التي تُعيد تشكيل سوق العقارات الفاخرة في أبوظبي بحلول عام 2025
شهد سوق العقارات في دولة الإمارات ارتفاعات لافتة خلال عام 2024، مع زيادة ملحوظة في مبيعات العقارات الفاخرة والفائقة الفخامة، في السوق الثانوية أو المشاريع قيد الأنشاء. وقد سُجّلت أرقام قياسية جديدة في مجتمعات سكنية بدبي مثل جزيرة جميرا باي ودبي هيلز استيت، فيما شهدت أبوظبي أغلى صفقة فيلا في تاريخها حتى الآن، فيلا مذهلة بقيمة 130 مليون درهم في جزيرة السعديات. وبلغ إجمالي قيمة الصفقات العقارية في الإمارات بنهاية العام 893 مليار درهم (243 مليار دولار) من خلال 331,300 صفقة.
استحوذت دبي على الحصة الأكبر من السوق في 2024، حيث حققت قيمة معاملات بلغت 522.5 مليار درهم، بزيادة نسبتها 27.2% مقارنة بالعام السابق. ورغم أن أداء أبوظبي كان أكثر تواضع بالمقارنة، إلا أنه أظهر قوة وثبات، بإجمالي معاملات بلغ 47.9 مليار درهم. وقد أصبحت أبوظبي مؤخراً سوق يحظى باهتمام متزايد، بفضل النمو المستمر في قطاعها السكني، إلى جانب إدخال تغييرات تشريعية تهدف إلى رفع مستوى الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الإمارة.
مراجعة لسوق العقارات في أبوظبي عام 2024
شهد سوق أبوظبي العالمي، المركز المالي للإمارة وإحدى أبرز السلطات التجارية فيها، تغييرات جوهرية في البنية التحتية للعقارات خلال العام الماضي. فقد جرى تطوير التشريعات الخاصة بمشاريع البيع على الخارطة، بما في ذلك إدخال نظام الحسابات الضامنة (الإسكرو) لإدارة الأموال بكفاءة أكبر. كما صدرت لوائح جديدة لتنظيم الإيجارات قصيرة الأجل، لكن الإعلان الأهم كان إطلاق منصة أكسس بي آر الرقمية الموحدة للعقارات، والتي صُممت لتكون فضاء مشترك يتيح للمالكين والمطورين ومديري العقارات الحصول على الخدمات الأساسية وإدارتها بسهولة.
وبالتزامن مع استمرار نمو أبوظبي كمركز حضري رئيسي، استقطبت الإمارة استثمارات أجنبية تجاوزت 834 مليون درهم خلال النصف الثاني من 2024، بزيادة تفوق 350% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023. وقد توجه معظم هذا الاستثمار إلى قطاع العقارات الفاخرة، وهذا يعزز مكانة أبوظبي كوجهة للباحثين عن الرقي والتميّز.
فكيف يبدو سوق العقارات الفاخرة في أبوظبي عام 2025، وما أبرز الاتجاهات التي يمكن أن نشهدها؟ إليك بعض التوقعات:
نمو في الوحدات السكنية ذات العلامات الفندقية
تستمر شعبية الوحدات السكنية التي تحمل علامات تجارية فندقية في الارتفاع عالمياً. وتُعد دولة الإمارات من بين الوجهات الثلاث الأولى لهذا النوع من المشاريع، مع وجود الغالبية في دبي. ومن الطبيعي أن تسعى الإمارات الأخرى للاستفادة من الجاذبية الفريدة التي تقدمها العلامات الفندقية العالمية. ومن أبرز الإطلاقات التي أثارت الجدل هو مشروع وين المارينا آيلاند، وهو أول منتجع ألعاب ترفيهية في المنطقة على خطى مشاريعه في لاس فيغاس وماكاو.
أما في أبوظبي، فقد بدأت الإمارة ترسّخ حضورها في هذا المجال عبر إطلاق مشاريع مثل فور سيزونز برايفت ريزيدنسز في جزيرة المارية وماندارين أورينتال ريزيدنسز في جزيرة السعديات.
وخلال عام 2025، من المتوقع أن نشهد مزيد من إطلاق هذه المشاريع التي ستسهم في ترسيخ مكانة أبوظبي كوجهة استثمارية عقارية رائدة، وتعزز دورها كركيزة أساسية في سوق العقارات الإماراتي.
عام البيع على الخارطة (قيد الإنشاء)
في عام 2024، حقق قطاع البيع على الخارطة في أبوظبي أداء استثنائي، إذ شكّل أكثر من 55% من حجم المعاملات وما يقارب 64% من إجمالي القيمة. وعلى أساس ربعي، كان السوق الجاهز وسوق البيع على الخارطة (قيد الإنشاء) متقاربين إلى حد كبير. لكن، نظراً لندرة المشاريع الجديدة المطروحة على الخارطة خلال العام، فإن الأداء كان لافت بشكل خاص ويؤكد على تزايد جاذبية أبوظبي في نظر المستثمرين.
ومع وجود المزيد من المشاريع المقرر إطلاقها في 2025، يبدو أن قطاع البيع على الخارطة (قيد الإنشاء) مقبل على عام مميز آخر. كما أن اللوائح المحسّنة الخاصة ببيع وتسويق الوحدات على الخارطة، التي تم إدخالها العام الماضي، ستزيد من ثقة المستثمرين العالميين الذين سيوجهون أنظارهم نحو هذا السوق المتنامي.
تأثير بلباو
تموضعت أبوظبي باعتبارها العاصمة الثقافية لدولة الإمارات بفضل سلسلة من المراكز الفنية والثقافية، لكن حضورها العالمي قفز إلى مستوى جديد مع افتتاح متحف اللوفر أبوظبي عام 2017. ومنذ ذلك الحين، رسّخت الإمارة علامتها كوجهة ثقافية، ما جذب فئة أعلى من مشتري العقارات، وبالتالي رفع من قيمة العقارات الواقعة بالقرب من أبرز المعالم.
ويُعرف هذا التأثير باسم "تأثير غوغنهايم"، وهو مصطلح يُستخدم عندما تشهد مدينة نمو عمراني واقتصادي نتيجة الاستثمار في معالم بارزة ومؤسسات ثقافية أيقونية. ويُعد هذا المصطلح مناسب تماماً لسوق أبوظبي، خاصة مع ترقّب افتتاح متحف غوغنهايم أبوظبي في جزيرة السعديات رسمياً عام 2025.
ومن المتوقع أن يطلق غوغنهايم تأثيره الشهير بعد افتتاحه بوقت قصير، وأن يسهم في تحويل جزيرة السعديات إلى مركز إقليمي للثقافة والفنون.
الارتفاع الكبير في الإيجارات
شهدت أسعار الإيجارات في أبوظبي العام الماضي أعلى نمو لها خلال عقد كامل، حيث ارتفعت بنسبة 15% على أساس سنوي، متجاوزة سوق المبيعات الذي سجل ارتفاع بنسبة 9%. ويعكس ذلك الطلب المتزايد بقوة على الإيجارات في الإمارة، إذ لم تؤثر الأسعار المرتفعة كثيراً على وتيرة إبرام العقود.
وفي أغسطس، تم إطلاق المؤشر السكني للإيجارات في أبوظبي لأول مرة بهدف تتبع وتنظيم نمو الإيجارات، وإدخال مستوى أعلى من الشفافية لكل من المستأجرين والمالكين. ومع استمرار تأخر المعروض عن تلبية الطلب، يُتوقَّع أن نشهد زيادات إضافية في الأسعار عبر السوق خلال عام 2025.
تاريخياً، كان سوق العقارات الفائقة الفخامة في أبوظبي موجه بالدرجة الأولى إلى مواطني دول مجلس التعاون الخليجي. أما بالنسبة للمشترين الدوليين، فما زالت العقارات في العاصمة تُعتبر أقل من قيمتها الحقيقية مقارنة بالإمكانات التي تحملها. ففي عام 2024، سُجِّل رقم قياسي جديد مع بيع فيلا بقيمة 130 مليون درهم، وهو رقم يبدو متواضع نسبياً مقارنة بالصفقات القياسية في دبي، لكنه يبرز مدى المساحة المتاحة لنمو السوق.
هذا العام، ستتجه الأنظار إلى سوق العقارات الفاخرة والفائقة الفخامة في أبوظبي. فقد جعلت النهضة الثقافية التي شهدتها الإمارة في السنوات الأخيرة، بدفع من المشاريع الكبرى في مناطق مثل الحي الثقافي في السعديات منها وجهة جذابة لعشاق الفن والتصميم. كما بدأ المستثمرون المستقبليون بالفعل بإبداء اهتمام كبير بجزيرة السعديات والجزيرة المجاورة المارية. ومع استمرار نمو الإمارة في 2025، سيقود ذلك بلا شك إلى وضع معايير سعرية جديدة لقطاع العقارات.