بيت العائلة الإبراهيمية: منارة للوحدة والإيمان في أبوظبي
في عالم كثيراً ما تغلبه الانقسامات، حيث يمكن للاختلافات أن تتحول بسهولة إلى خلافات، يبرز مكان يقدم رواية مضادة قوية، رواية عن الوحدة والحوار والاحترام العميق. في قلب أبوظبي، يرتفع بيت العائلة الإبراهيمية ليس بوصفه تحفة معمارية وكرمز مؤثر للإيمان والقصص المشتركة التي تجمعنا.
هذا الصرح الاستثنائي، الذي وُلد من رؤية ودعم القيادة الحكيمة في دولة الإمارات هو رمز مضيء للتعايش في القرن الحادي والعشرين. هنا، تجد ثلاث ديانات سماوية متميزة، الإسلام والمسيحية واليهودية، حيث أنّه مكان للعبادة والتأمل والانخراط في الحوار تحت سقف واحد متناغم.
رؤية متجذّرة في السلام والحوار
يستمد بيت العائلة الإبراهيمية إلهامه من إحدى أقدم الموروثات المشتركة على وجه الأرض وهو إيمان النبي إبراهيم، المكرَّم في الديانات الثلاث بوصفه أب روحي ورمز للتوحيد. يقع هذا الصرح الديني المتعدد في الحي الثقافي بجزيرة السعديات، ويجسد رؤية عبّر عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: ترسيخ “الفهم المشترك، والحوار، والاحترام بين الديانات الثلاث.”
في زمن تطغى عليه الصدامات الثقافية والتوترات الجيوسياسية، يعبّر هذا المشروع ببلاغة عن التزام دولة الإمارات بالتسامح ركيزة لمجتمعها وأساس لقوتها الناعمة. إنه يمثل سرد حديث ومفعم بالأمل، حيث يصبح الإرث الروحي جسر للتواصل لا حاجزاً للفصل.
مزج التراث بالعمارة المعاصرة
يتكوّن بيت العائلة الإبراهيمية من ثلاثة بيوت للعبادة: مسجد، وكنيسة، وكنيس يهودي، صُمّم كل واحد منها على يد معماري عالمي، بحيث يجمع التصميم بين مراعاة التراث وروح الابتكار.
المسجد المستوحى من الهندسة الدقيقة للفن الإسلامي، يرتفع بمنحنيات انسيابية وظلال بيضاء هادئة تستحضر السكينة والنقاء الروحي. يجمع تصميمه بين عناصر العمارة العربية التقليدية وملامح عصرية واضحة، تسمح للضوء الطبيعي أن يرتسم على جدرانه بطريقة توحي بالجلال والقداسة.
وبالقرب منه، تقف الكنيسة، من تصميم المعماري البارز ديفيد أجيي، احتفاءً بالنور والفضاء، بخطوط عمودية شاهقة وواجهة مهيبة تجمع بين الوقار والسمو. أما في الداخل، فيدعونا التلاعب بين الظلال والإنارة للتأمل في التاريخ والإيمان والرجاء.
أما الكنيس اليهودي، فيكمل هذا المشهد بروح حميمة، صُمّم بعناية ليعكس الرموز والتراث اليهودي، مع لمسة من البساطة والدفء عبر استخدام المواد الطبيعية والتوازن المدروس بين الشكل والوظيفة، بما يليق بقدسيته.
تدخل المباني الثلاثة في حوار معماري وروحي متبادل، إذ تشجع مواقعها وتصاميمها على التفاعل والانسجام البصري، بما يحفّز الزائرين على استكشاف القيم المشتركة والتأمل في الخصوصيات المميزة لكل ديانة.
الحي الثقافي: مركز متنامي للتبادل الفكري والفني
يشكل بيت العائلة الإبراهيمية جزء أساسي من الحي الثقافي في جزيرة السعديات بأبوظبي، ذلك المكان الذي يغدو بسرعة القلب النابض للفكر والفن في المدينة. فإلى جانب متحف اللوفر أبوظبي والمتحف القادم غوغنهايم، يثري هذا الصرح الديني المتعدد نسيج الثقافة والحوار.
ولا يقتصر الموقع على دور العبادة فحسب، بل يضم مركز للزوار وبيت مشترك مخصص للحوار بين الأديان، والبرامج التعليمية، والتجمعات المجتمعية. وقد صُممت هذه المساحات لتكون مصدر إلهام للتعلم والتعاطف، حيث تستضيف محاضرات ومعارض وفعاليات تعزز الحوار بين الأديان والثقافات.
إن هذا الالتزام بالتعليم والتواصل المجتمعي يعكس النهج الأوسع لدولة الإمارات القائم على الانفتاح والابتكار، حيث يلتقي التراث برؤية عالمية معاصرة.
تجربة بيت العائلة الإبراهيمية
المشي في أرجاء بيت العائلة الإبراهيمية هو بمثابة رحلة استكشاف، روحية وثقافية ومعمارية. يُدعى الزوار إلى مشاهدة الشعائر، والتجول في الأماكن المقدسة، والتفاعل مع الأفكار التي أسهمت في تشكيل الحضارات.
توفّر الجولات الإرشادية رؤية معمقة في الدلالات الدينية والتاريخية لكل بيت للعبادة، فيما تدعو اللحظات الهادئة داخل جدرانها إلى التأمل. وتضفي الحدائق الهادئة، بما تحويه من نباتات محلية ومسارات مظللة، جو من السكينة يشجع على اليقظة الروحية والسلام الداخلي.
يقدم بيت العائلة الإبراهيمية ملاذ بعيد عن صخب الحياة في المدينة. إنه المكان الذي تُحتفى فيه القيم الإنسانية الجامعة، الرحمة، والتواضع، والتفاهم بصمت ووقار.
نموذج للوئام العالمي
ما يميز بيت العائلة الإبراهيمية ليس فخامته المعمارية أو أهميته الثقافية فحسب، بل الروح التي يجسدها، روح الإنسانية المشتركة. ففي منطقة كثيراً ما يُساء تصويرها بأنها مسرح للصراعات، لكنها تبرز رؤية أبوظبي الجريئة كمنارة أمل.
يعكس هذا المشروع طموح أوسع لدولة الإمارات يتمثل في ترسيخ موقعها كمركز عالمي للحوار والدبلوماسية، متجاوزة للانقسامات الجيوسياسية لتعزيز قيم التعايش. وهو تذكير بأن الإيمان قادر على أن يكون عنصر توحيد عندما يُنظر إليه بانفتاح واحترام.
وقد حظيت هذه المبادرة باهتمام عالمي، وألهمت مشاريع مماثلة في دول أخرى، كما شجّعت على حوارات حول قوة التعاون بين الأديان في بناء مستقبل يسوده السلام.
بيت العائلة الإبراهيمية وروح أبوظبي
أبوظبي مدينة متعددة الطبقات، حيث يلتقي الصحراء بالبحر، والتراث بالابتكار، والماضي بحوار متجدد مع المستقبل. ويأتي بيت العائلة الإبراهيمية ليجسد هذه الروح بأناقة.
فهو يعكس نهج المدينة القائم على الطموح المقرون بالاحترام، والرفاهية المترافقة مع التواضع، والتقدم المرتكز على أساس ثقافي راسخ. وكما تمتد ناطحات السحاب نحو السماء، يمتد بيت العائلة الإبراهيمية عبر قرون من الإيمان والثقافة ليقدم رؤية للوحدة والأمل.
ولمن يبحثون عن أكثر من جولة سياحية، يقدم هذا الصرح تجربة عميقة، لمحة نادرة عن الكيفية التي تختار بها أمة أن تعرّف نفسها في العالم المعاصر، ليس عبر التجارة أو العمارة فحسب، بل من خلال شجاعة احتضان التنوع وبناء الانسجام.
يُرحب بالزوار لاستكشاف بيت العائلة الإبراهيمية بروح من الاحترام والفضول. ويُنصح بارتداء لباس محتشم يتناسب مع قدسية المكان، كما يُسمح بالتصوير في الأماكن العامة مع التحلي بالوقار أثناء أوقات الصلاة.
يوفّر مركز الزوار مواد تعليمية وأدلة بلغات متعددة، لضمان أن يتمكن كل ضيف من استيعاب ثراء الروايات التي تحيط بالمكان.
الإيمان طريق للفهم
في أبوظبي، يقف بيت العائلة الإبراهيمية كمعلم مضيئ، مادي ورمزي، ليذكّرنا بأن جوهر الإنسانية رحلة مشتركة. فالديانات التي أسهمت في تشكيل التاريخ والثقافة يمكن أن تصبح، في هذا العصر الحديث، محفز للتواصل لا سبب للخلاف.
هذا الصرح لا يكتفي باستضافة ديانات متعددة، بل يحتفي بتعايشها، ويدعو كل من يعبر أبوابه إلى التأمل في الروابط الأعمق التي تجمعنا، التاريخ، والإيمان، والأمل الدائم بالسلام. إنه المكان الذي تلتقي فيه العمارة بالروحانية والدبلوماسية، ليُلهم الدهشة والتفكر. إنه دعوة لأن نتوقف قليلاً، نصغي، ونتذكر أن الوحدة ممكنة، لا على الرغم من اختلافاتنا، بل بفضلها.